понедельник, 17 июня 2019 г.

أقوال الطوائف المنتسبة للإسلام في مسألة العلو ثلاثة أقوال. 


قال الذهبي مبينا هذا:


١ ـ مقالة السلف وأئمة السنة بل والصحابة والله ورسوله والمؤمنين : أن الله في السماء وأن الله على العرش وأن الله فوق سماواته ، وحجتهم على ذلك النصوص والآثار .

٢ ـ ومقالة الجهمية أنه في جميع الأمكنة .

٣ ـ ومقالة متأخري المتكلمين أن الله ليس في السماء ولا على العرش ولا على السماوات ولا في الأرض ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا هو بائن عن خلقه ولا متصل بهم. [«العلو للعلي الغفار»: ص/143]

وقال الذهبي أيضا: "وَالله فَوق عَرْشه كَمَا أجمع عَلَيْهِ الصَّدْر الأول وَنَقله عَنْهُم الْأَئِمَّة، وَقَالُوا ذَلِك رادين على الْجَهْمِية الْقَائِلين بِأَنَّهُ فِي كل مَكَان محتجين بقوله {وَهُوَ مَعكُمْ} (الحديد: ٤) فهذان الْقَوْلَانِ هما اللَّذَان كَانَا فِي زمن التَّابِعين وتابعيهم وهما قَولَانِ معقولان فِي الْجُمْلَة.

فَأَما القَوْل الثَّالِث الْمُتَوَلد أخيرا من أَنه تَعَالَى لَيْسَ فِي الْأَمْكِنَة وَلَا خَارِجا عَنْهَا وَلَا فَوق عَرْشه وَلَا هُوَ مُتَّصِل بالخلق وَلَا بمنفصل عَنْهُم وَلَا ذَاته المقدسة متحيزة وَلَا بَائِنَة عَن مخلوقاته وَلَا فِي الْجِهَات وَلَا خَارِجا عَن الْجِهَات وَلَا وَلَا... فَهَذَا شَيْء لَا يعقل وَلَا يفهم مَعَ مَا فِيهِ من مُخَالفَة الْآيَات وَالْأَخْبَار". [«العلو للعلي الغفار»: ص/596]


فالقول الأول 


 وهو اعتقاد أن الله فوق سماواته وعلى عرشه حقيقةً هو قول أهل السنة من الصحابة فمَن بعدهم ، وهو أول الأقوال ظهورا

أما القول الثاني


 وهو اعتقاد أن الله في كل مكان فهو قول حدث في مطلع القرن الثاني على يد الجهمية، وقد قال به بعض الأشاعرة كما نقل الإمام السجزي في رسالته، وقال: "وبعض أصحابه (الأشعري) وافق المعتزلة وسائر الجهمية في قولهم: إن الله بذاته في كل مكان وذكر عن بشر المريسي أنه قيل له: فهو في جوف حمارك؟ فقال: نعم". ["الرد على من أنكر الحرف والصوت": ص/192]

وكثيرٌ ممن يعبّر بالقول في كل مكان ـ ولا أقول أكثر ـ لا يريد به إنه بذاته حالّ في كل مكان ، وإن كان هو مراد آخرين منهم وإنما لجأ أولئك الكثير إلى هذه العبارة ليفر من الجهة، وإلا فمقصوده إنه لا يوجد في مكان معين وجهة معينة .

قال عبد العزيز الكناني (ت. 240 هـ) : "فَلَمَّا شَنَّعْت مَقَالَتَهُ (أي الجهمي) قَالَ: أَقُولُ: إنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَا كَالشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ، وَلَا كَالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ، وَلَا كَالشَّيْءِ خَارِجًا عَنْ الشَّيْءِ، وَلَا مُبَايِنًا لِلشَّيْءِ". [«مجموع الفتاوى»: 5/317، «درء التعارض»: 6/119]

قال ابن قتيبة (ت. 276 هـ) : "والعجب لقوم لا يؤمنون إلا بما يصح في المعقول، ثم خرجوا من كل معقول بقولهم: "إن الله في كل مكان بغير مماسة ولا مباينة وبغير موافقة ولا مفارقة". ["الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة": ص/47]

وقال الدارمي (ت. 280 هـ) عن بعض الجهمية: "قَالَ بَعْضُهُمْ: العَرْشُ أَعْلَى الخَلْقِ، وَاللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَبِكُلِّ مَكَانٍ غَيْرَ مَحْوِيٍّ وَلَا مُلَازِقٍ، وَلَا مُمَازِجٍ، وَلَا بَائِنٍ بِاعْتِزَالٍ، وَبِفُرْجَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَلَى العَرْشِ؛ كَجِسْمٍ عَلَى جِسْمٍ'. [«النقض على المريسي»: ص/164]

وقال محمد بن  عثمان بن أبي شيبة (ت. 297 هـ) : ذكروا أن الجهمية يقولون: "ليس بين الله عز وجل وبين خلقه حجاب، وأنكروا العرش، وأن يكون الله فوقه، وفوق السموات، وقالوا: إن الله في كل مكان". [«العرش وما روي فيه»: ص/276-281]

وقال ابن خزيمة (ت. 311 هـ) : "وفِي الأخْبارِ دَلالَةٌ واضِحَةٌ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ عُرِجَ بِهِ مِنَ الدُّنْيا إلى السَّماءِ السّابِعَةِ، وأنَّ اللَّهَ تَعالى فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَواتِ عَلى ما جاءَ فِي الأخْبارِ، فَتِلْكَ الأخْبارُ كُلُّها دالَّةٌ عَلى أنَّ الخالِقَ البارِئَ فَوْقَ سَبْعِ سَماواتِهِ لا عَلى ما زَعَمَتِ المُعَطِّلَةُ: أنَّ مَعْبُودَهُمْ هُوَ مَعَهُمْ فِي مَنازِلِهِمْ، وكَفَنِهِمْ عَلى ما هُوَ عَلى عَرْشِهِ قَدِ اسْتَوى..." [«

وأما القول الثالث 

 وهو اعتقاد أن الله لا يوجد في داخل هذا العالَم ولا يوجد في خارجه ولا يوجد فوقه ولا تحته ولا يوجد في أي جهة من الجهات ولا هو بمتصل بالعالم ولا بمنفصل عنه ، فهو قول محدث قال به الأشاعرة ولم يكن مشهورا قبل المائة الثالثة ، سوى ما نقله الأشعري عن المعتزلة (وهم جهمية في الصفات) في قولهم بأن الله لا يوجد في مكان. [«مقالات الإسلاميين»: ص/212]


ذكر من قال: "إن الله ليس داخل العالم ولا خارجه" من الأشاعرة والفلاسفة والجهمية و غيرهم:


قال أبو المظفر الإسفراييني الشافعي (ت. 471 ه‍ـ) : "وأن تعلم أن الحركة و السكون...والاتصال والانفصال...والجهات كلها لا تجوز عليه تعالى لأن جميعها يوجب الحد والنهاية". [«التبصير في الدين» ص/160]

وقال أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري (ت. 478 ه‍ـ) : "لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مثل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر". [«الغنية في أصول الدين»: ص/74]

وكان المتولي يكفر من يثبت الاتصال والانفصال لله تعالى كما نقل عنه النووي: "قال المتولي "من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو أثبت ما هو منفي للقديم بالإجماع كالالوان أو أثبت له الاتصال أو الانفصال كان كافراً". [«روضة الطالبين» : 10/64]

وقال الغزالي (ت. 505 ه‍ـ) : "ندعي أنه ليس في جهة مخصوصة من الجهات الست .... فإن قيل: فنفي الجهة يؤدي إلى المحال وهو إثبات موجود تخلو عنه الجهات الست، ويكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه وذلك محال ....". ثم أجاب عن هذا مؤكداً عدم امتناع اتصاف الله بما ذُكر. [«الاقتصاد في الاعتقاد»: ص/81-74]

وقال الشهرستاني (ت. 548 ه‍ـ) : "فإنا نقول: ليس بداخل في العالم ولا خارج". [«نهاية الإقدام على علم الكلام» : ص/67]

وقال ابن الجوزي (ت. 597 ه‍ـ) : "وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات". [«دفع شبه التشبيه»: ص/9]

وقال العز بن عبد السلام (ت. 660 ه‍ـ) : "أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولامنفصل عن العالم ولا متصل به". [«قواعد الأحكام في مصالح الأنام» : 1/201]

وقال مسعود بن عمر التفتازاني (ت. 793 ه‍ـ) : "وإذا لم يكن في مكان: لم يكن في جهة، لا علو، ولا سفل، ولا غيرهما..". [«شرح العقائد النسفية» ص/33-32]

وقال البيجوري (ت. 1276 ه‍ـ) في شرح الجوهرة في شرح قول الناظم "ويستحيل ضد ذي الصفات ... في حقه كالكون في الجهات": "فليس فوق العرش ولا تحته، ولا عن يمينه ولا عن شماله ... فليس له فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال ..".[«شرح جوهرة التوحيد»: ص/163]

وكذا نسبه ابن خلدون (ت. 808 ه‍ـ) للفلاسفة وجعله قولهم، قال: «يقع كثيرا في كلام أهل العقائد من علماء الحديث والفقه أنّ الله تعالى مباين لمخلوقاته. ويقع للمتكلّمين أنّه لا مباين ولا متّصل. ويقع للفلاسفة أنّه لا داخل العالم ولا خارجه». [مقدمة ابن خلدون: ص/282]

وهو قول ابن سينا (ت. 428 ه‍ـ) كما في رسالته الأضحوية: «أنه ذات واحدة لا يمكن أن تكون خارجة عن العالم أو داخلة فيه ، ولا بحيث تصح الإشارة إليه أنه هناك». [«الرسالة الأضحوية»: ص/44-51]

وحكاه عن الجهمية الإمام خشيش بن أصرم (ت. 253 هـ) كما نقل أبو الحسين الملطي الشافعي قوله عنهم: "ومنهم صنف قالوا لا نقول إن الله بائن من الخلق ولا غير بائن ولا فوقهم ولا تحتهم ولا بين أيمانهم ولا عن شمائلهم". [«التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع» : ص/97]


ذكر من اعتبر وصفهم لله وصفا بالعدم:


1 - فها هو المتكلم بل إمام أهل الكلام عند الأشاعرة وهو ابن كلاب يحكم على هذا الاعتقاد عقلا بأنه وصف لله بالعدم. قال ابن كلاب (ت. 240 هـ) : "أخرج من النظر والخبر قول من قال لا هو في العالم ولا خارجا عنه ، فنفاه نفيا مستويا ، لأنه لو قيل له صفه بالعدم ما قدر أن يقول أكثر من هذا... إن قالوا لا فوق ولا تحت ، أعدموه لأن ما كان لا فوق ولا تحت عدم". [«مجموع الفتاوى» 318/5-317، «اجتماع الجيوش الإسلامية»: ص/432، «لوامع الأنوار البهية»: 1/209]

2 - وأيضا ممن أنكر هذا الاعتقاد عبدُ العزيز الكناني (ت. 240 ه‍ـ) ، فقد نقل كما سبق عمن وصفه الكناني بالجهمي قوله: "لَا كَالشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ، وَلَا كَالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ، وَلَا كَالشَّيْءِ خَارِجًا عَنْ الشَّيْءِ، وَلَا مُبَايِنًا لِلشَّيْءِ". ثم قال عبد العزيز: "يُقَالُ لَهُ: أَصْلُ قَوْلِك: الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ فَقَدْ دَلَّلْت بِالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ عَلَى أَنَّك لَا تَعْبُدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْئًا دَاخِلًا فِي الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ لَأَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الشَّيْءِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِك شَيْئًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ فِي الشَّيْءِ أَوْ خَارِجًا مِنْ الشَّيْءِ فَوَصَفْت - لَعَمْرِي - مُلْتَبِسًا لَا وُجُودَ لَهُ وَهُوَ دِينُك وَأَصْلُ مَقَالَتِك: التَّعْطِيلُ". [«مجموع الفتاوى»: 5/317، «درء التعارض»: 6/119]

3 - وقال الإمامُ تلميذُ الأئمة ، المتفق على إمامته كما نص على ذلك العلماء ، ألا وهو أبو سعيد الدارمي (ت. 280 هـ) : وَكَيْفَ يَهْتَدِي بِشْرٌ (المريسي) لِلتَّوْحِيدِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَكَانَ وَاجِدِهِ، وَلَا هُوَ بِزَعْمِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِوَاجِدِهِ، فَهُوَ إِلَى التَّعْطِيلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَوَاجِدُهُ بِالمَعْدُومِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالمَوْجُودِ. [«النقض على المريسي»: ص/42]

4 - قال أبو نصر السجزي (ت. 444 هـ) : "وزعم الأشعري: أن الله سبحانه غير ممازج للخلق وغير مباين لهم، والأمكنة غير خالية منه، وغير ممتلية به. وهذا كلام مسفت لا معنى تحته، وتحقيقه النفي بعد الإثبات". ["الرد على من أنكر الحرف والصوت": ص/192]

5 - قال ابن قدامة المقدسي (ت. 620 هـ) : "ويقولون: الله حي موجود يرى في القيامة، ولكن ما هو في سماء ولا أرض، ولا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا يعقل وجوده على هذه الصفة". [«البرهان في بيان القرآن»: ص/162]

6 - وقال الحافظ الذهبي (ت. 748 هـ) : "فَإِن هَذِه السلوب نعوت الْمَعْدُوم تَعَالَى الله جلّ جَلَاله عَن الْعَدَم بل هُوَ مَوْجُود متميز عَن خلقه مَوْصُوف بِمَا وصف بِهِ نَفسه من أَنه فَوق الْعَرْش بِلَا كَيفَ". [«العلو للعلي الغفار»: ص/143]

 7 - وقال الفيروز آبادي (ت. 817 هـ) صاحب "القاموس المحيط"  ناقلا كلام الإمام الأنصاري مقرا ومحتجا به: "... فإِنَّ المعطل جاحِدٌ للذَّات أَو لكمالها، وهو جحد لحقيقة الإِلهية، فإِنَّ ذاتاً لا تسمعُ ولا تُبْصِر ولا تَتَكَلَّم ولا ترضَى ولا تَغْضَب ولا تَفْعَل شيئاً، وليست داخلَ العالَمِ ولا خارجه ولا متَّصِلَة بالعالَمِ ولا مُنْفَصِلَة ولا مُجانِبَة ولا مُباينة ولا فَوْقَ العَرْشِ ولا تَحْته ولا خَلْفَه ولا أَمامَه ولا عن يَمِينهِ ولا عن شِمالِه، سواءٌ والعَدَم. والمشرك مقرّ بالله وصفاته/ ولكن عنده معه غيره، فمُعَطِّل الذات والصّفات شَرٌّ منه". [«بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز»: 402/5]

8 - وقال محمد الشوكاني (ت. 1250 هـ) : "قد رَأَيْت مَا يَقُوله كثير مِنْهُم ويذكرونه فِي مؤلفاتهم ويحكونه عَن أكابرهم إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتنزه وتقدس لَا هُوَ جسم وَلَا جَوْهَر وَلَا عرض وَلَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه!! فأنشدك الله أَي عبارَة تبلغ مبلغ هَذِه الْعبارَة فِي النَّفْي؟! وَأي مُبَالغَة فِي الدّلَالَة على هَذَا النَّفْي تقوم مقَام هَذِه الْمُبَالغَة؟! فَكَانَ هَؤُلَاءِ فِي فرارهم من شُبْهَة التَّشْبِيه إِلَى هَذَا التعطيل..". [«التحف في مذاهب السلف»: ص/23]


ذكر من اعترف من الأشاعرة برفض عوام الناس عقيدتهم:


قال أبو حامد الغزالي (ت. 505 هـ): "قلنا: من رأى هذا حقيقة الحق اعتذر بأن هذا لو ذكره لنفر الناس عن قبوله ، ولبادروا بالإنكار وقالوا هذا عين المحال ، ووقعوا في التعطيل ، ولا خير في المبالغة في تنزيه يُنتج التعطيل في حق الكافة إلا الأقلين ، وقد بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم داعياً للخلق إلى سعادة الآخرة رحمة للعالمين ، كيف ينطق بما فيه هلاك الأكثرين...وأما إثبات موجود في الاعتقاد على ما ذكرناه من المبالغة في التنزيه شديد جداً بل لا يقبله واحد من الألف لا سيما الأمة الأمية". [«إلجام العوام عن علم الكلام»: ص/56-57]

وقال نفسه في الإحياء: "وكذلك النظر إلى ذات الله تعالى يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل ، فالصواب إذن أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذات الله سبحانه وصفاته فإن أكثر العقول لا تحتمله بل القدر اليسير الذي صرح به بعض العلماء وهو أن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته". [«إحياء علوم الدين»: 4/434]


وقال ابن عساكر (ت. 571 هـ) : "فَإِن قيل إِن الجم الْغَفِير فِي سَائِر الْأَزْمَان وَأكْثر الْعَامَّة فِي جَمِيع الْبلدَانِ لَا يقتدون بالأشعري وَلَا يقلدونه وَلَا يرَوْنَ مذْهبه وَلَا يعتقدونه وهم السوَاد الْأَعْظَم وسبيلهم السَّبِيل الأقوم قيل لَا عِبْرَة بِكَثْرَة الْعَوام وَلَا الْتِفَات إِلَى الْجُهَّال الغتام وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بأرباب الْعلم والاقتداء بأصحاب البصيرة والفهم..". [«تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري»: ص/331]

وقال العز بن عبد السلام (ت. 660 هـ) : "وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَصْوِيبٌ لِلْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ بَلْ الْحَقُّ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَالْبَاقُونَ مُخْطِئُونَ خَطَأً مَعْفُوًّا عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَالِانْفِكَاكِ عَنْهُ، وَلَا سِيَّمَا قَوْلُ مُعْتَقِدِ الْجِهَةِ فَإِنَّ اعْتِقَادَ مَوْجُودٍ لَيْسَ بِمُتَحَرِّكٍ وَلَا سَاكِنٍ وَلَا مُنْفَصِلٍ عَنْ الْعَالَمِ وَلَا مُتَّصِلٍ بِهِ، وَلَا دَاخِلٍ فِيهِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَحَدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى أَدِلَّةٍ صَعْبَةِ الْمُدْرَكِ عَسِرَةِ الْفَهْمِ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا فِي حَقِّ الْعَادِي.
وَلِذَلِكَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُلْزِمُ أَحَدًا مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ بَلْ كَانَ يُقِرُّهُمْ عَلَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا انْفِكَاكَ لَهُمْ عَنْهُ، وَمَا زَالَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْمُهْتَدُونَ يُقِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْعَامَّةَ لَمْ يَقِفُوا عَلَى الْحَقِّ فِيهِ وَلَمْ يَهْتَدُوا إلَيْهِ، وَأَجْرُوا عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ مِنْ جَوَازِ الْمُنَاكَحَاتِ وَالتَّوَارُثِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ إذَا مَاتُوا وَتَغْسِيلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ وَحَمْلِهِمْ وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَامَحَهُمْ بِذَلِكَ وَعَفَا عَنْهُ لِعُسْرِ الِانْفِصَالِ مِنْهُ وَلَمَا أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِلَهَ يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَجْسَادِ النَّاسِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا عَفَا عَنْ الْمُجَسَّمَةِ لِغَلَبَةِ التَّجَسُّمِ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَوْجُودًا فِي غَيْرِ جِهَةٍ بِخِلَافِ الْحُلُولِ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ الِابْتِلَاءُ بِهِ وَلَا يَخْطِرُ عَلَى قَلْبِ عَاقِلٍ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ". [«قواعد الأحكام في مصالح الأنام»: 1/201]

وقال الفخر الرازي (ت. 606 هـ) عند تفسير آية: ٢٣ من سورة الزمر : "فنقول : الإنسان إذا تأمل في الدلائل الدالة على أنه يجب تنزيه الله عن التحيز والجهة. فهنا يقشعر جلده ، لأن إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارج ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم ، مما يصعب تصوره فههنا تقشعر الجلود". [«التفسير الكبير»: 26/282]

وقال الفخر الرازي أيضا: "واعلم أن العلماء المحققين ذكروا أنواعا من الفوائد في إنزال المتشابهات". ثم قال: "الخامس: وهو السبب الأقوى: أن القرآن مشتمل على دعوة الخواص، والعوام تنبوا في أكثر الأمور عن إدراك الحقائق العقلية المحضة، فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه!!، ظن أن هذا عدم محض فوقع في التعطيل، فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب مما تخيلوه وتوهموه، ويكون مخلوطاً بما يدل على الحق الصريح، فالقسم الأول: وهو الذي يخاطبون به في أول الأمر يكون من باب المتشابهات، والقسم الثاني: وهو الذي يكشف لهم في آخر الأمر وهو المحكمات!!" [«أساس التقديس»: ص/192]

وقال سعد الدين التفتازاني (ت. 793 هـ) : «فإن قيل: إذا كان الدين الحق نفي الحيز والجهة فما بال الكتب السماوية والأحاديث النبوية مشعرة في مواضع لا تحصى بثبوت ذلك من غير أن يقع في موضع واحد منها تصريح بنفي ذلك وتحقيق كما كررت الدلالة على وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته وحقيقة المعاد وحشر الأجساد في عدة مواضع وأكدت غاية التأكيد، مع أن هذا أيضاً حقيق بغاية التأكيد والتحقيق لما تقرر في فطرة العقلاء مع اختلاف الأديان والآراء من التوجه إلى العلو عند الدعاء ومد الأيدي إلى السماء؟
أجيب: بأنه لما كان التنزيه عن الجهة مما تقصر عنه عقول العامة حتى تكاد تجزم بنفي ما ليس في الجهة كان الأنسبُ في خطاباتهم والأقربُ إلى إصلاحهم والأليقُ بدعوتهم إلى الحق ما يكون ظاهراً في التشبيه وكون الصانع في أشرف الجهات مع تنبيهات دقيقة على التنزيه المطلق عما هو من سمة الحدوث» [«شرح المقاصد»: 2/50]


والحمد لله رب العالمين...

Комментариев нет:

Отправить комментарий