إثبات علو الله في الأحاديث (٢)
2) ما أخرجه الترمذي - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ؟ قَالَ : "كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ".
• رواه الترمـذي (٣١٠٩) وأحمـد (١١/٤)، وابن ماجه (١٨٢)، و الطيالسي (١١٨٩)، وابن أبي عاصم في «السنة» (٦٢٥) و أبـو عبيـد في «غريـب الحديث» (٢٢٩ -٢٢٦/٢)، وعبداالله بن أحمد في «السنة» (٤٣١)، وحرب الكرماني «السنة» (٣٥٠)، والطـبري في «تفـسيره» (٦/٧) و (٤/١٢)، وابـن حبـان في «صحيحه» (٦١٤١)، والطبراني في «الكبير» (٤٦٨) (٢٠٧/١٩)، و ابن بطة في «الإبانة الكـبرى» (٢٦٨٥)، ورواه ابـن بطـة من طريق أبي جعفر محمد بن أبي شيبة في «العرش» (٣١٣ و ٣١٤)، و أبـو الـشيخ في «العظمة» (٨٣)، وغيرهم.
✓ الحكم على الحديث:
¶ احتج أهل العلم بهذا الحديث في مصنفاتهم - كما تقدم في تخريجـه - وسـاقوه مساق القبول والاحتجاج. وممن صرح
بصحته:
١- الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام.
قال الدارقطني في «الصفات» (٥٩): حدثنا محمد بن مخلد، قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام - وذكـر البـاب الذي يروى : «الرؤية»، والكرسي وموضع القدمين»،
و «ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره»، «وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء»، و «أن جهنم لا تمتلـئ
حتى يضع ربك قدمه فيها فتقول: قط قط»، وأشباه هذه الأحاديث.
فقال: هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه ؟ وكيـف ضحك ؟ قلنا: لا يفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره.
[ورواه من طريق الدارقطني: ابن البناء في «المختار من أصول السنة» (ص٩٧)، و رواه مختصرا الآجري في «الشريعة» (٥٨١)، واللالكائي (٩٢٨). قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (٥١/٥): ُ إسناده صحيح عن أبي عبيد]
٢- الترمذي قال في «السنن»: هذا حديث حسن.
قال ابن القيم في «حاشيته على أبي داود» (١٦/١٣): وهذا الإسـناد صـححه الترمذي في موضع، وحسنه في موضع، فصححه في الرؤيـا، أخبرنـا الحـسن بـن علي الخلال، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عـن وكيـع ابن عدس، عن عمه أبي رزين العقيلي، قـال: قـال رسـول االله صلى الله عليه وسلم: «رؤيـا المـؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة .. ». قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
قال ابن القطان: فيلزمه تصحيح الحـديث الأول، أو الاقتـصار عـلى تحـسين الثاني، يعني: لأن الإسناد واحد.
قال: فإن قيل: لعله حسن الأول لأنه من رواية حماد بن سلمة، وصحح الثاني لأنه من رواية شعبة، و فضل ما بينهما في الحفظ بين. قلنا: قد صحح من أحاديـث حماد بن سلمة ما لا يحصى، وهو موضع لا نظر فيه عنده، ولا عند أحد مـن أهـل العلم، فإنه إمام، وكان عند شعبة من تعظيمه وإجلاله ما هو معلوم. اهـ
٣- الطبري في «تاريخه» (٤٠/١).
٤- ابن حبان في «صحيحه» (٦١٤١).
٥- وقال ابن العربي الأشعري المالكي في «عارضة الأحوذي» (١٩٤/١١): قـد رويناه من طرقه، وهو صحيح سندا ومتنا. اهـ
٦- الذهبي في «العلو» (١٣) قال: إسناده حسن.
٧- استشهد بهذا الحديث ابن تيمية في كثـير مـن كتبـه، ومنهـا: «بيـان تلبيس الجهمية» (٥٩١/١)، و«الاستقامة» (١٦١/١)، وغيرهمـا، ولم يطعـن في إسناده في شيء من كتبه.
٨- صححه ابن القيم في «إعلام المـوقعين» (٢٧٦/٤)، و «تهـذيب السنن» (١٠١/٧) و «النونية» (١٢٩٢).
٩- وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٣٠٧/٤) ولـم يتعقبه بشيء، بل قبله و احتج به.
١٠- قال الشيح عبـداللطيف بـن عبـدالرحمن بـن حـسن في «الـدرر السنية» (٢٩٢/٣): «قبله الحفاظ و صححوه».
١١- المعلمي في «التنكيل» (٣٤٧/١).
قلت: ومع كثرة تتابع أهل السنة على قبوله وتفسيره
حتجاج به، فقد قـال الألباني فيه: «حديث أبي رزين مع شـهرته وتحمـس بعـض (الـسلفيين) لـه !! لا يصح .. إلخ. انظر تعليقه على «التنكيل» (٣٤٧/٢). و أعل إسناده في «السلسلة الضعيفة» (٥٣٢٠) بجهالة وكيع بن حدس !
وكيف يكون مجهولا وقد قال عنه ابـن حبـان في «مـشاهير علـماء الأمـصار» (رقم/٩٧٣): من الأثبات. اهـ
وقال الجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (٢٣٢/١): صدوق صالح الحديث.
وكل من صحح هذا الحديث وقبله من أهل العلم يدل على أنه ليس بمجهول عندهم. وقد تكلم أئمة السنة عن معنى هذا الحديث وشرحوا ألفاظه، وهذا دليل آخـر على قبولهم له سندا ومتنا، ولا يخفى أن التأويل فرع عن التصحيح.
وأشهر من طعن في هذا الحديث ورده هم الأشـاعرة المعطلـة كـالرازي وابن جماعة وابن الأثير وغيرهم من متـأخري المعطلـة، ومثـل هـؤلاء لا يلتفـت إليهم أمام أئمة السنة (السلفيين) أهل الجرح والتعديل، فتنبه !
✓ معنـى العمـاء في هذا الحديث عند أهل السنة:
لأهل السنة في معنى "العـماء" في هـذا الحـديث عـدة أقـوال، ولـيس بينهـا اختلاف، ولكل قول شاهد من الكتاب والسنة
١- ذهب الخليل بن أحمد، والأصمعي، وأبو عبيـد، وابـن راهويـه، والأزهـري وغيرهم إلى أن "العماء" ممدود، ومعناه في كلام العرب: السحاب الأبيض.
قال الأزهري في «تهذيب اللغة» (٢٥٧٨/٣): ويقوّي هذا القول قـول الله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} [البقرة: ٢١٠]
٢- ذهب يزيد بن هارون، وتبعه الترمذي أن لفظة: (َعماء) ِّ بالمـد؛ و لكـن معناها في الحديث: ليس مع االله شيء. [وانظر: «بيان تلبيس الجهمية» (٤٦٤/١)]
قلت: ويشهد لهذا ما رواه البخاري (٧٤١٨) عن عمران عن رسول االله صلى الله عليه وسلم: «كـان اللهُ ولـم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء»، وفي لفظ: «ولـم يكن شيء معه».
٣- وللأصمعي قول آخر، قال: يجوز أن يكون معنى الحـديث في عمـى: أي أنه عمّى على العلماء كيف كان. نقله عنه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (٢٦٨٦).
- قال الأزهري في «تهذيب اللغـة» (٢٥٧٧/٣): وقـد بلغنـي عـن أبي الهيثم ولم يعزه لي إليه ثقة، أنه قال في تفسير هذا الحديث ولفظه: أنه كان في عمـى مقصور. قال: و كل أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عمىً. قال: والمعنـى: أنـه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم، ولا يبلغ كنهه وصف). اه
ولعل منه قوله تعالى في أثر القرآن على الكفار: {وهو عليهم عمى} [٤٤:فصلت]
ونقل الذهبي في «العلو» (٢٧٦/١): قال الحسن بن عمران الحنظلي الهروي: سمعت أبا الهيثم خالد بـن يزيـد الـرازي يقـول: ُ أخطـأ أبـو عبيـد، إنـما العمـى مقصور، ولا يدرى أين كان الرب قبل خلق العرش. اهـ
قلت: قد ضبطه الأصمعي وغيره قبل أبي عبيد بالمد رواية، وفسروه دراية.
قال ابن القيم في «اجتماع الجيوش» (ص ٢٣٥): قال أبو القاسـم [خلـف بـن عبد االله المقرئ الأندلـسي] "العـماء" ممـدود وهـو - الـسحاب، و "العمـى" مقـصور - الظلمة، وقد روي الحديث بالمد والقصر، فمن رواه بالمد فمعنـاه عنـده كـان في عـماء سحاب ما تحته وما فوقه هـواء، والهـاء راجعـة عـلى العـماء، ومـن رواه بالقـصر فمعناه عنده: كان في عمى عن خلقه، لأنه من عمي عن شيء فقد أظلم عنه. اهـ
Комментариев нет:
Отправить комментарий